• ٢٣ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٦ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إساءة للرئيس والمجتمع

فهمي هويدي

إساءة للرئيس والمجتمع

ليست واضحة العلاقة بين إطلاق البعض دعوة لجمع ٤٠ مليون توقيع لمد الفترة الرئاسية من أربع إلى ثمانى سنوات، وبين ما أثير أخيراً حول البديل المدني والإعداد للانتخابات الرئاسية المصرية التي يفترض أن تجري في عام ٢٠١٨، وإذا كان الذين تحدثوا عن البديل المدني أشخاصاً معروفين فإنّ الذين يديرون حملة التوقيعات مجهولون إلى حد كبير.

الأمر الذى يثير العديد من علامات الاستفهام حول هوية الجهة أو الجهات التي تبنت تلك الحملة.

وسواء كان التزامن بين الأمرين مجرد مصادفة، أم أنّ هناك صلة بين الحدثين، فالشاهد أنّ مشروع جمع التوقيعات التي قيل إنّ ١٤٠ ألف شخص استجابوا لها حتى الآن، لا يمكن أن يدخل حيز التنفيذ إلّا بترتيب أو موافقة من الجهات الأمنية.

ذلك أنّ الموضوع مهم والقضية حساسة. حتى أزعم بأنّ ملف انتخابات الرئاسة لا يحتمل العبث، حيث تدرجه الأجواء الراهنة ضمن الأمور التي تعد «هزلهن جد وجدهن جد» كما ورد في الأثر.

ومبلغ علمي أنّ أحد الوزراء السابقين عنّ له أن يقترب من الملف بحيث يرشحه أحد معاونيه للرئاسة القادمة فى حفل تكريم أعد للوزير السابق، إلّا أّنه استقبل من حذره من اللعب فى هذه المساحة، فعدل الرجل عن الفكرة وألغى حفل «التكريم» الذي كان قد أُعد لذلك الغرض.

إذا كان الأمر كذلك فإنّ السؤال يثور حول صلة الدولة العميقة بالموضوع، وهي ذات المؤسسة صاحبة الحضور البارز في الفضاء السياسي المصري.

في بداية الأمر لم آخذ حملة التوقيعات على محمل الجد. ذلك أنّ الوصول إلى ٤٠ مليون مصري أمر أكبر بكثير من طاقة أي مجموعة من المجهولين، فضلاً عن أنّ الأمر يحتاج إلى إمكانيات هائلة بشرية ومادية وفنية كما يحتاج إلى وقت طويل.

لذلك اعتبرتها حينذاك مجرد فرقعة أطلقها نفر من هواة السياسة، الذين يمكن أن يكون تبنيهم للفكرة جاذباً للأضواء، وباباً للتكسب والاقتراب من السلطة.

على الأقل فذلك سيناريو جرى تفعيله وإخراجه وحقق بعض النجاح في حالات سابقة. ضاعف من شكوكي إزاء الموضوع أنّ الترويج له يتم من خلال بعض المنابر الإعلامية المحسوبة على الأجهزة الأمنية.

من ثم فإذا وضعت تلك القرائن جنباً إلى جنب فقد لا تقتنع بجدية الحملة، لكن أرجو أن تتفق معي على الأقل بأنّ الأمر في ظاهره ليس هزلاً.

إلى أنّ يثبت أن تحليلي كان خطأ. أو أنّني حملت الأمور بأكثر مما تحتمل، فإنّني أزعم أنّ المحاولة أياً كانت النوايا وراءها تسيء إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى لأنّها تعني أنّه لن يستطيع الفوز إذا نافسه آخرون في انتخابات حرة، لذلك فإنّه يحتاج منذ الآن إلى «صديق» يحمله ويؤمن له الفوز المبكر.

من ناحية أخرى، فإنّ الإساءة التي تصيب الإرادة الشعبية بدرجة أكبر، حيث يبدو أنّ هناك مَن يسعى منذ الآن لممارسة الضغط والترهيب باستخدام قوة السلطة المادّية والمعنوية، لحشد المؤيدين.

وبدلاً من أن يدلي هؤلاء بأصواتهم داخل الصناديق المودعة وراء الستائر التي تحجب النظر، فمطلوب منهم أن يجهروا بأصواتهم من الآن أمام ممثلي الحملة ومندوبيها. وهو ما يلغي الانتخابات ويفقدها نزاهتها. أما صدى العملية فى العالم الخارجي فحدث فيه ولا حرج.

بسبب من ذلك فإنّني تمنيت على أويى الأمر أن يوقفوا تلك الحملة إن لم يكن احترامًا لإرادة المجتمع فعلى الأقل حرصاً على سمعة الرئيس والنظام القائم. وإذا لم تكن للدولة علاقة بإطلاقها. فإنّ سكوتها على استمرارها يشكك فى صدقية ذلك الموقف.

لي تجربة مكلفة سابقة مع مشهد مشابه حدث فى عهد الرئيس أنور السادات. ذلك أنّه عقب حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ التي ارتفع بسببها الرصيد الشعبي للرئيس الراحل، ومع اقتراب انتخابات التجديد للرئيس في عام ١٩٧٧، فإنّ الشيخ أحمد حسن الباقوري أعلن في خطبة له أنّ انجاز السادات يرشحه لأن يبقى رئيساً مدى الحياة.

وفي سياق تعزيزه لرأيه ذكر أنّ الانتخابات غير مرحب بها فى الإسلام، لأنّ المرشحين يجرحون بعضهم بعضاً ويتنابذون بالألقاب، وذلك مما لا يجوز شرعاً. حينذاك كتبت مقالاً نشرته جريدة «الأهرام» كان عنوانه «في الرد على الباقوري».

(كان الشيخ مقرباً من السادات، وبعد خروجه من وزارة الأوقاف عيّن مديراً لجامعة الأزهر وعضواً بمجمع البحوث الإسلامية).

وكانت خلاصة مقالي أنّ انجاز السادات يرفع من مقامه لا ريب، ويجعله فوق العين والرأس، لكن لا يصح أن يقال إنّ الإسلام لا يحبذ إجراء الانتخابات.

وشرحت وجهة نظري في ذلك. وهو ما أغضب الرئيس، وعلمت من الأستاذ علي حمدي الجمال رئيس التحرير آنذاك أنّه عنّفه هاتفياً، الأمر الذي ترتب عليه منعي من الكتابة بـ«الأهرام».

وهو ما دفعني إلى الرحيل إلى الكويت حيث عملت مديراً لتحرير مجلة «العربي» تحت رئاسة الأستاذ أحمد بهاء الدين.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد لأنّه حين قرر السادات قبل اغتياله تأديب الصحفيين وفصلهم من وظائفهم فقد كان اسمي الأول في القائمة، حيث نقلت من «الأهرام» إلى مصلحة الاستعلامات.

حين خطرت لي القصة في السياق الذي نحن بصدده قلت «لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا».

ارسال التعليق

Top